القائمة الرئيسية

الصفحات

 



----------------------------------------------------------

حكم الرستميون الجزائر خلال القرنين الثامن و التاسع الميلاديين ؛ وتسمت دولتهم بالدولة الرستمية ؛ وكانت قاعدتها مدينة تاهرت قرب مدينة تياريت الحديثة في مقاطعة وهران غرب الجزائر (المغرب الأوسط سابقًا).

وتنتسب الدولة الرستميـَّة إلى مؤسسها عبد الرحمن بن رستم وكانت على مذهب الإباضيـَّة الخارجي؛ وكانت تقوم على مبدأ الإمامة ؛ وظهرت رسميا سنة سنة 160هـ/777م بمدينة تيهرت، واستمرت حوالي 136 سنة ؛ وسقطت على يد أبي عبد الله الشيعي سنة 296 هـ/909م. بعد هدم العاصمة تيهرت إثر قيام الدولة الفاطمية.

حكمت الدولة الرستمية عدة أجزاء من المغرب الأوسط وإقليم طرابلس ومنطقة الجريد وامتد حكمها حتى قيام الدولة الفاطمية، حيث المناطق التي ينتشر فيها المذهب الإباضي ...

 وكانت تمتد من تلمسان غربا وانتشر نفوذها إلى إقليم طرابلس وجبل نفوسة شرقا على امتداد 1300 كلم في السهوب وفي واحات جنوب الجزائر...

و كانت حدود الدولة في الشمال الغربي تمتد حتى البحر ، ويصعب تحديد حدود واضحة للدولة الرستمية بشكل دقيق ؛ حيث كانت تنكمش و تتمدد حدودها باستمرار .

وأما أقصى مد لها فهو ما بلغته خاصة في عهد الأئمة الثلاثة الأوائل إذ كانت الدولة تضم كافة المغرب الأوسط وأجزاء من المغرب الّأدنى حيث كان يحدها شرقا سرت والدولة الأغلبية، وغربا تلمسان ونهر ملوية.

و من المعروف أنه خلال القرن الثامن والتاسع حكمت ثلاث سلالات في المغرب الكبير: الأغالبة السنيون بالقيروان ؛ والأدارسة الشيعيون بفاس ؛ والرستميون الإباضيون بتيهرت .

ازدهرت مدينة تاهرت على عهد بني رستم حتى صارت ملتقى التجَّار والعلماء والطلبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي؛ مما أكسبها شهرة عالمية لدرجة أنها سمِّيت بالعراق الصغير تشبيهًا لها ببلاد العراق التي تضجُّ بمختلف الأجناس والملل والنحل آنذاك.

بقيت الدولة الرستميَّة قائمة في المغرب الأوسط وعلى علاقة طيبة مع الأمويين في الأندلس إلى أن قضى عليها الفاطميون سنة 296هـ/ 909م، إلا أن مذهب الخوارج الإباضية بقي معتنقوه يؤلِّفون قوة معارضة للدولة الفاطمية، حتى إن الخوارج الإباضية لعبت دورًا أساسيًّا ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر ..[1].

-------------------------------------------------------------------

🔹️ المؤسس :

مؤسِّس هذه الدولة هو عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن رستم بن بهرام، وبهرام هو مولى الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه (2)

 وقد قَدِم رستم إلى مكة يصحبه زوجته وابنه عبد الرحمن لأداء فريضة الحج فمات، فتزوجت أرملته برجلٍ من أهل القيروان، حملها وابنها عبد الرحمن معه عند عودته إلى بلده، وتربَّى عبد الرحمن بن رستم في القيروان، وأخذ العلم عن فقهائها، ومال إلى تعاليم الخوارج الإباضية.[3]

 يقول ابن خلدون : "وأخذ عبد الرحمن بن رستم بدين الخارجيَّة والإباضية منهم " [4]

وكان ذلك بتأثير من سلمة بن سعيد داعية الإباضية الذي كان يجتهد آنذاك في نشر المذهب الإباضي في ربوع المغرب"[5]

ثم خرج إلى المغرب الأوسط، واتخذ من مدينة تاهرت مركزًا لنشر دعوته [6].

تحالف عبد الرحمن بن رستم مع دولة بني واسول أو المدرارية الخارجية في سجلماسة (جنوب المغرب) لتقوية دولته، ونتج عن هذا التحالف مصاهرة تمت بزواج أَرْوَى بنت عبد الرحمن بن رستم من المنتصر بن اليسع بن مدرار ملك جنوب المغرب، وقد أنجب المنتصر من أروى ولدًا ذكرًا سمَّاه ميمونًا حكم بعده. 

وبعد وفاة عبد الرحمن بن رستم سنة 168هـ/ 784م ترك الأمر شورى في سبعة أشخاص من بينهم ابنه عبد الوهاب الذي مالت الأغلبية إلى مبايعته وسلَّمت عليه بالخلافة، في الوقت الذي بقي فيه المعارضون لخلافته على موقفهم فسمُّوا بالنُّكَّار أو النَّكَريَّة.

-----------------------------------

🔹️حكام الدولة الرستمية :

نجح عبد الرحمن بن رستم في توطيد دعائم دولته خلال الفترة التى قدر له أن يحكمها (144-168هـ) وقد خلفه من بعده ابنه عبد الوهاب الذى بقى في حكم الدولة الرستمية عشرين سنة، ثم "أفلح بن عبد الوهاب" الذى حكم أكثر من خمسين عامًا (188-238هـ)، ثم تتابع في حكم الدولة الرستمية خمسة من الأمراء، هم: أبوبكر بن أفلح، وأبو اليقظان، فأبو حاتم، فيعقوب ابن أفلح، فاليقظان ابن أبى اليقظان آخر أمرائهم.

1- عبد الرحمن بن رستم (162- 171هـ).

2- عبد الوهاب بن عبد الرحمن (171- 208هـ).

3- أفلح بن عبد الوهاب (208- 258هـ).

4- أبو بكر بن أفلح (258- 260هـ).

5- محمد أبو اليقظان (260- 281هـ).

6- يعقوب ابن أفلح (282- 286هـ).

7- يوسف أبو حاتم (281- 282 هـ)، (286- 294هـ).

8- اليقظان بن أبي اليقظان (294- 297هـ). ..... [7]


-------------------------------

🔹️ مبدأ الحكم أول نشأة الدولة :

كانت مبايعة عبد الرحمن بن رستم تشكِّل النمط الإسلامي السليم في مبايعة الحاكم المسلم؛ ذلك لأن الإمام يُختار طبقًا لشروط بعينها ينبغي توفرها فيه، وهو ما حدث عند اختيار الإمام الرستمي. 

وقد قدَّم عبد الرحمن بدوره شروطًا يقول فيها : 

"إن أعطيتموني عهد الله وميثاقه لتستطيبوا إليَّ، ولتطيعوني فيما وافق الحق وطابقه قَبِلتُ ذلك منكم". 

وهو يعني إن لم يعطوه عهدًا بالطاعة فيما وافق الحق رفض البيعة، وتلك ظاهرة فريدة في الحكم لا يمكن أن تتوفر إلا في نظام الحكم الإسلامي.

وبالفعل كان عبد الرحمن بن رستم عادلاً مصلحًا، ساعيًا إلى ازدهار الحياة العامة في أنحاء دولته، وكان كثيرٌ من غير الإباضية يتجهون إلى تاهرت آمنين على أنفسهم وممتلكاتهم [8].

 نشأت الدولة الرستمية في ظروف خاصة من تاريخ العالم الإسلامي وخاصة بلاد المغرب التي كانت مسرحا للعديد من الأحداث السياسية...

فبعدما انفصل المغرب عن المشرق انقسم المغرب نفسه إلى دول مستقلة منفصلة عن بعضها البعض؛ وفي هذه الفترة الغنية بالأحداث ظهرت الدولة الرستمية كإحدى نتائج التحولات الكبرى التي عرفتها المنطقة؛

 والمعلوم أن الإباضية لما وصولوا إلى المغرب استطاعوا أن ينشروا أفكارهم.   

 ولما اشتعلت الحرب في المغرب الأدنى اعتصم عبد الرحمن بن رستم بجبل يعرف بجبل سُوفَجَّج في منطقة تيهرت - بالغرب الجزائري حالـيًّا-، هو وجماعته الذين اتـَّبعوه فرارًا من محمَّد بن الأشعث الخزاعي قائد جيوش العباسيين الموجَّهة إلى المغرب؛

 ولـمَّا وجدت هذه الفئة المكان الحصين قرَّرت بناء مدينة تأويهم، وتأوي مذهبهم وطموحاتهم، فأسـَّسوا مدينة تيهرت (تاهرت، تيارت)، وبويع عبد الرحمن بن رستم إماماً لأوَّل دولة إسلاميـَّة مستقلَّة بالمغرب الأوسط، وهكذا حقَّق عبد الرحمن حلم الإباضيـَّة بتأسيس دولة يكون مذهبها الرسمي المذهب الإباضي. .... [9]


--------------------------------

🔹أشهر مدن الدولة الرستمية :

☆ مدينة تيهرت العاصمة 

☆ مدينة وهران 

☆ مدينة شلف 

☆ مدينة الغدير 

☆ مدينة الخضراء ... [9]


--------------------------------

🔹️ الأوضاع الاقتصادية : 


▪︎ الزراعة : 

تمتاز جغرافية المغرب الأوسط بطبيعة فلاحية لذلك عرفت الدولة الرستمية زراعة متطورة ومزدهرة شملت مختلف أقاليمها التي كانت تكثر فيها البساتين وزراعة الحبوب، والعصفر والكتان والسمسم والنخيل، ومختلف الفواكه، والتين والزيتون، فكانت تدر عليهم أرباحا طائلة، وقد كانت تكثر فيها الأنهار ، وأقام الرستميون خزانات وأحواض للماء كبيرة وكانت محكمة التصميم والهندسة، ليحافظوا على الماء أيام الجفاف، بل إنهم أوصلوا الماء إلى البيوت عن طريق الأنابيب وشق القنوات.


▪︎الرعي وتربية الماشية :

  كانت تربية الماشية في الدولة الرستمية تقوم جنبا إلى جنب مع الزراعة، ولكثرة المراعي الخصبة في الدولة الرستمية كانوا يربون الغنم والبقر والجمال والخيول والبغال والحمير ، وكانت تجارتها رائجة، وتصدر إلى الدول المجاورة، وكانوا يستغلونها في إنتاج الصوف...

قال ابن حوقل يصف الماشية في تيهرت وأحوازها: 

"وهي أحد معادن الدواب والماشية والغنم والبغال والبراذين الفراهية، ويكثر عندهم العسل والسمن".

▪︎ التجارة : اهتم الرستميون بالتجارة الداخلية والخارجية، فأنشئوا الأسواق في مختلف المدن التي كانت رائجة بشتى أنواع البضائع والمؤن التي تأتي من داخل الدولة الرستمية نفسها أو من الدول الأخرى عن طريق العلاقات التجارية مع الكثير من الدول كالأندلس ومصر وبلاد السودان وغيرها من الدول في المشرق والمغرب ...

فكانت القوافل التجارية تخرج من الدولة الرستمية محملة بشتى أنواع البضائع والمؤن إلى تلك الدولة، وتعود كذلك محملة بالبضائع التي تنتج في تلك البلاد، وكانت تجارة الذهب وبيع الرقيق رائجة في ذلك الوقت، وللدولة الرستمية نشاط كبير فيها...

 ووصل نشاط التجار في الدولة الرستمية إلى حد أنه كان يوجد بها التخصص في الأسواق، فكان بها سوق النحاس، وسوق الأسلحة، وسوق الصاغة، وسوق الأقمشة وغيرها من الأسواق. [9]

-----------------------------

🔹️ الحياة الفكرية في الدولة الرستمية :

كان للرستمييين دور بارز في الحياة الفكرية بالمغرب الأوسط خاصة ولا نبالغ إذ قلنا بالمغرب الإسلامي، فقد حملت هذه الدولة مشعلا عظيما للحضارة والعلم في الشمال الإفريقي .

وقد اهتمت الدولة الرستمية بإنشاء المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار ومن مكتباتها المشهورة مكتبة " المعصومة " التي كانت تحوي آلافا من المجلدات والكتب، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمائة ألف مجلد...

فكانت تحوي بين رفوفها كتبا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، وكتبا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة....

ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية، ومن المكتبات المشهور الأخرى " خزانة نفوسة " الجامعة لآلاف الكتب، وكذلك لم تخل منازل العلماء في الدولة الرستمية من وجود المكتبات الخاصة .. [9]

----------------------------------

🔹️ علماء الدولة الرستمية :

لقد عرفت الدولة الرستمية في المغرب عددًا غير قليل من الأئمة العلماء الفضلاء، من أمثال عبد الوهاب بن عبد الرحمن الذي كان عالمًا فقيهًا، والإمام أفلح بن عبد الوهاب، والإمام أبي اليقظان محمد بن أفلح، وأبي العباس أحمد بن محمد، وتبغورين ابن الملشوطي شيخ علماء الكلام، ومحكم الهواري، وأبي عبيدة الأعرج، وأبي باديس أبخت بن باديس .. [10].

-----------------------------

🔹️ الرستميون والدولة الأموية في الأندلس :

قامت العلاقات بين الدولة الأموية في الأندلس والرستميين على أسس التحالف المتين والصداقة المتبادلة، وقد بدأت العلاقات بين الطرفين في وقت مبكر؛ حيث إن مؤسِّس الدولة الأموية بالأندلس - وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك - حين فرَّ من العباسيين ولجأ إلى المغرب الأوسط، وأقام بين بني رستم الذين حافظوا عليه، وأجاروه من الأخطار التي كانت تواجهه .

كان من الطبيعي إذن أن يحدث التآلف بين أمراء بني أمية في قُرطبة وبين الأئمة الرستميين في تاهرت، وتقوم العلاقات بين الدولتين على أساس من الصداقة والتحالف والمودة؛ إذ كان الأمويون في الأندلس محطَّ عداء العباسيين ومكائدهم. 

كما كان العباسيون أيضًا أعداء للإباضيَّة في تاهرت؛ لأنهم كانوا يعتبرون بلاد المغرب كلها ميراثًا شرعيًّا تركه الأمويون لهم، وعلى هذا الأساس نظروا إلى الدولة المستقلة عنهم نظرة عداءٍ باعتبار مؤسِّسيها قاموا باقتطاع أجزاء من ممتلكات العباسيين.‏

ومما دفع أمراء بني أمية إلى توطيد علاقتهم بالرستميين أنه لم يعد أمامهم من منفذ إلى بلاد المغرب سوى المغرب الأوسط؛ لأنَّ المغرب الأدنى (إفريقيَّة) قامت فيه دولة الأغالبة الموالية للعباسيين، والمغرب الأقصى فيه دولة الأدارسة الشيعيَّة التي كانت علاقتها بالأمويين في الأندلس تتسم بالعداء ..

وبقيام هاتين الدولتين أوصدت جميع المنافذ والسبل في وجه الإمارة الأموية الفتيَّة، وبذلك أصبحت الدولة الرستمية هي الشريان الحيوي الوحيد الذي بإمكانه تغذية تلك الإمارة بالحياة، والتعاون معها سياسيًّا واقتصاديًّا وحضاريًّا.

ظلت الدولتان تسعى كل منهما إلى كسب صداقة الأخرى، وقد قامت بينهما علاقة سياسية متينة، خاصةً منذ بداية عهد الإمام عبد الوهاب (171- 211هـ= 787- 826م) .... [11]

--------------------‐-------

🔹️ الفتن و الثورات :

تعرضت الدولة الرستمية لعددٍ من الفتن والثورات، حيث لم تسلم الدولة منها؛ فمثلما يعمُّ الخير والاستقرار تنتشر الفتن والثورات.

▪︎1- ثورة النكار :

ومنها الثورة التي تعرف بثورة النكَّار التي هزت أركان الدولة في عهد الإمام عبد الوهاب ابن الإمام عبد الرحمن الرستميِّ. والنُّكَّار الذين أشعلوا تلك الفتنة وقاموا بتلك الثورة، قومٌ أنكروا إمامة عبد الوهاب، وطالبوا بتكوين مجلس للشورى يكون أعضاؤه أشخاصًا معروفين.

ومن المواقف الغريبة أن عالمًا مصريًّا من الإباضِيَّة اسمه شعيب المصري طمع في الإمامة، وقد عُرف عنه أنه من العلماء المصريين الأفاضل، يرجع الناس إليه في أمور دينهم.

لقد دبَّر فريق النكَّار مؤامرة لعزل الإمام عبد الوهاب أو قتله، وقد انتهزوا مناسبة كان الإمام قد غادر فيها عاصمة الدولة لبعض الأمور فأعلنوا الثورة، وانقضوا على تاهرت، فواجههم أهل المدينة، ودافعوا عن أنفسهم ببسالة، ووقع كثير من القتلى من الفريقين....

فلما رجع الإمام وجد على باب العاصمة جثثًا مُلقاة ودماء مُراقة، وأخبره الناس بما وقع فأمر بالقتلى فجمعوا، وصلَّى على الجميع اقتداءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في واقعة الجَمَل، ثم أمر بدفن الجميع ..... [12].

▪︎2️- الثورة التي أودت بالدولة الرستمية :

وكانت الفتنة الأخيرة التي أودت بالدولة الرستمية واقتلعتها من جذورها، فتنةً ليست بين صفوف الرعيَّة، وإنما اشتعلت نيرانها بين أسرة الإمامة نفسها؛ لأن الذين قاموا بها اثنان من أبناء أخي الإمام نفسه، إذ انقضَّ اثنان من أبناء أبي اليقظان - شقيق الإمام - على عمِّهما وقتلاه وولَّيا مكانه والدهما أبا اليقظان.

 وعلى الرغم من أن أبا اليقظان كان شخصية متميزة فإن جريمة قتل ولديه لشقيقه الإمام قبَّحت صورته أمام الناس، وكان هذا الغدر إيذانًا بغروب شمس دولة كانت عظيمة؛ فقد أعرض الناس عنهم، وانفضوا من حولهم، واستنكروا فعلتهم، 

ولم يكد يمضي على هذه الحادثة غير وقت قصير حتى قَدِم عليهم أبو عبد الله الحجاني - مولى الإمام العبيديّ وقائد جيشه - فقتل الوالد والولدين وبقيَّة أفراد الأسرة الرستمية، باستثناء أبي يوسف يعقوب بن أفلح الذي استطاع النجاة، وبذلك انتهت الدولة الرستمية الإباضية، وصارت جزءًا من مسيرة الدولة الإباضية يرويها التاريخ .. [13].

--------------------------------------

🔹️ رأي المؤرخين في الدولة الرستمية :

يقول الأستاذ توفيق المدني عن الدولة الرستمية : 

"إنها كانت أول دولة إسلامية بربرية نشأت في هذه الديار - يعني الجزائر - ازدهرت ونمت ونالت شهرة عالمية واسعة".

وكذلك يقول عثمان الكعاك : 

"أن الدولة الرستمية كانت قوية عزيزة ذات بأس وسلطان، عاصرت بني الأغلب بإفريقيا (يعني تونس) والأدارسة بالمغرب الأقصى، وكانت الآمرة الناهية في بلاد المغرب الأوسط" . .... [14].

----------------------------------------

🔹️ الإباضية.. خلفيات تاريخية :

كان الخوارج كثيري الانشقاق والخروج على بعضهم البعض، وتكفير بعضهم بعضًا لأقلِّ الأسباب؛ ولذا نجد أن فرقهم قد تعددت، وتنوَّعت، ما بين الصفرية والأزارقة والعجاردة والميمونية والنجدات والإباضية، وغيرهم كثير...

أمَّا بالنسبة للإباضية فهم أشهر الفرق التي تُنسَب إلى الخوارج؛ ذلك أنهم لا يزالون حتى يومنا هذا يسكنون في عُمَان وزنجبار وشمال إفريقيَّة. والإباضية هم أصحاب عبد الله بن إباض، وكانت لهم صولة في الجزيرة العربية، وعلى الأخصِّ في حضرموت وصنعاء ومكة والمدينة.

ولكنهم يغضبون كثيرًا حين يسمعون أحدًا ينسبهم إلى الخوارج، ويبرءون من تسميتهم بالخوارج ويقولون: نحن إباضية، كالشافعية والحنفية والمالكية، ويقولون: إنهم رُمُوا بهذا اللقب لأنهم رفضوا القرشيَّة، أي التزام كون الإمام من القرشيين.

وقد دخل مذهب الإباضية إلى إفريقية في النصف الأول من القرن الثاني، وانتشر بين البربر حتى أصبح مذهبهم الرسمي. وقد حكم الإباضيون في شمال إفريقيَّة حكمًا متصلاً مستقلاًّ استمر زهاء مائة وثلاثين سنة حتى أزالهم الفاطميون.

 وإذا كان الإباضيون أصحاب أمجاد في الماضي فإنهم ما يزالون كذلك في عصرنا الحاضر، فهم الذين يخوضون الحرب الباسلة في عُمَان ضد الإنجليز، وجماعة منهم يسكنون تونس والجزائر ....[15].

---------------------------------------

🔹️عقيدة الإباضية :

تتفق عقيدة الإباضية مع أهل السُّنَّة في الكثير، وتختلف معهم في القليل، فهم يعترفون بالقرآن والحديث كمصدر للعلوم الدينية، ولكنهم يقولون (بالرأي) ويأخذون بالإجماع.

ولعل أهم خلاف بينهم وبين السُّنَّة قولهم بالتنزيه المطلق، فلا يقولون بالتشبيه؛ ولذلك فإنهم يقولون :

▪︎ إن رؤية الله منفية في الدنيا والآخرة. 

▪︎ويقولون أيضًا : إن الوعد والوعيد لا يتخلفان. بمعنى أن وعيد الله لا يتخلف، فمن دخل النار فهو خالد فيها، والمذنب تطهِّره التوبة، ولا يدخل السعيدُ النار. 

▪︎ وواجب عندهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...[16].

ولقد انقسم الإباضيُّون إلى عدة أحزاب هي: الحفصية والحارثية واليزيدية، وهذه الأخيرة قد ادَّعى رئيسها يزيد بن أُنَيْسَة أن الله سيبعث رسولاً من العجم، ويُنزِل عليه كتابًا قد كُتب في السماء، يُنزِله عليه جملة واحدة ويكون على مِلَّة الصابئة ...[17].

ورغم انحراف يزيد بن أنيسة فإن مذهب الإباضية تتوفر فيه كثير من جوانب الاعتدال في عقيدتهم، وهم وإن نسبوا إلى الخوارج إلا أنهم يرون أنهم وحدهم الذين حافظوا على تعاليم الإسلام الحقَّة، ...

ويرون أن القدوة الحسنة كانت بعد النبيِّ في أبي بكر وعمر، ولا يحبون عثمان ويسمونه صاحب (بدع)، ولا يلعنون عليًّا بل أنكروا قبوله التحكيم، ويعتبرون بيعته باطلة بعد قبوله التحكيم ....[18].

👌 تعتبر هذه الفقرة مقدمة و فكرة عامة ..

إذا وصلت بالقراءة حتى هذا الموضع فقل رأيك نكمل تفاصيل تاريخ الدولة الرستمية أم نكتفي بهذه الفقرة ..

❤ تحية لشعب الجزائر الشقيق.

--‐----‐-‐---------------------------------------------------------

[1] إبراهيم أيوب: التاريخ العباسي السياسي والحضاري ص164.

[2] محمود شاكر: التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) 5/134.

[3] حمدي عبد المنعم حسين: محاضرات في تاريخ مصر الإسلامية ص110- 111.

[4] ابن خلدون: العبر 6/ 246.

[5] محمد عيسى الحريري: الدولة الرستمية بالمغرب الإسلامي ص77- 78.

[6] حمدي عبد المنعم حسين: محاضرات في تاريخ مصر الإسلامية ص110- 111.

[7] فريق البحوث والدراسات الإسلامية، تقديم د/ راغب السرجاني: الموسوعة الميسرة في التاريخ الإسلامي 1/342.

[8] د/ مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب ص163- 164

[9] محاضرات أ. خديجة طاهر منصور ؛ جامعة وهران 1- أحمد بن بلة ؛ كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية .

Salon général de discussion - Salon de chat

Vous êtes connecté anonymement (Connexion)

[10] مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب ص169- 170.

[11] مقال للدكتور عبد القادر بوباية: في مجلة التراث العربي، دمشق العددان 99 و100 ، أكتوبر 2005م/ رمضان 1426هـ .

[12] د/ مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب ص169.

[13] د/ مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب ص168.

[14] السابق نفسه ص168.

[15] د/ مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب ص135.

[16] السابق نفسه ص136.

[17] د/ مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب ص136.

[18] السابق نفسه ص13

☆ انظر موقع قصة الإسلام -الدولة الرستمية 

🖍 وللإستزادة : 

☆قيام وتطور الدولة الرستمية في المغرب ،تأليف د. محمد زينهم محمد عزب ، دار العالم العربي

☆ الدولة الرستمية بالمغرب الاسلامی ؛ حضارتها وعلاقتها الخارجية بالمغرب والأندلس(۱٦٠ - ۱۹٦ ه) دكتور محمد عيسى الحريري ؛كلية الآداب - جامعة المنصورة؛ مصر .

☆ الجزائر الاجتماعية في عهد الدولة الرستمية ؛د/محمد بوركبة؛ دار الكفاية ؛ الجزائر

تعليقات